اشتهرت العديد من الدول ذات الحضارات القديمة بالعديد من الجمل والأحكام التي تنطبق على جميع المواقف من الماضى السحيق إلى يومنا هذا ، وهي قوانين دنيوية تحكم علاقة الإنسان بما يحيط به ، ويطلق عليها الأمثال الشعبية.
كان المجتمع المصري ولا يزال من أشهر المجتمعات التي انبثقت منها العديد من الأمثال والعبارات الشعبية، وكنا قد تناولنا البعض منهم مسبقاً فبعض من تلك الأمثال حكم عليها بالنسيان، والبعض ما زال حي ويتناقله الناس بين بعضهم البعض فالكثير من أمور حياتهم اليومية، والبعض يتناول المثل الشعبي المناسب للموقف دون معرفة أصل هذا المثل أو القصص وراء أشهر الأمثال الشعبية ومنهم المثل الشعبي "و من الحب ما قتل ".
فمنذ الصغر ونحن أعتدنا على سماع تلك المقولة المشهورة وهي "ومن الحب ما قتل" وكنا نسمعها كثيراً عندما يتعلق الأمر بقصص الحب والعشق والغرام، فمن المعروف أن الحب يتحكم بصاحبه فيجعله لا يرى فى الحياة من ملذة إلى ملذة لقائه بحبيبه.
لكن هل يمكن للحب أن يقتل صاحبه؟
في هذا المقال سنطلعكم على القصة التي انبثقت منها هذه المقولة الشهيرة.

الأصمعي
جاءت القصة بعد حادثة وقعت مع الأصمعي وهو شاعر من شعراء العصر العباسى الأول، حيث عُرف ببلاغه شعره وجمال أنتقاءه للكلمات وبراعة وصفه للأحداث، ولد الأصمعى في حي بني أصمع بالبصرة، ولهذا السبب هو يُدعى الأصمعي، وكان الأصمعي يعشق التجول كثيراً في الصحراء ليصفى ذهنه ويفكر فى شعره هو ما جعله يصادف الحادثة التي خلقت تلك المقولة الشهيرة.
صخرة الحب
بدأ كل شيء عندما مر الأصمعي بصخرة أثناء تجوله في صحراء البصرة، وجدها منقوش عليها أبيات شعرية، فأستوقفه ذلك الأمر وأعجبته تلك الأبيات، وكانت الأبيات على النحو التالي:
أيا معشر العشاق بالله خبروا .. إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع.
أعجب الأصمعى بكلمات الفتى وأحب طريقته فى التعبير عن حبه بالشعر المنقوش على الصخرة فقرر الأصمعي الرد على ذلك الشاب المولع بالحب والغرام لحبيبته بالنقش على نفس الصخرة ببيت شعرى وقال:
يُداري هواه ثم يكتم سره .. ويخشع في كل الأمور ويخضع.
في اليوم التالي مر الأصمعي على نفس الصخرة ووجد أن الشاب رد على كلامه ببيت من الشعر وكأن الصخرة تمثل حمام زاجل أو شات مغلق بينهم، فهى كانت حلقة الوصل بينه وبين ذلك الشاب العاشق وجاء رد الشاب :
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى .. وفي كل يومٍ قلبه يتقطع.
تقطع قلب الأصمعى من كلام الفتى وشعر بحبه الشديد لتلك الفتاه التى يحبها، فقرر الرد عليه بنصيحة فيها الخلاصة لكى يريح قلب الفتى العاشق من عذابه فقال :
إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان أمره .. فليس شيء سوى الموت ينفع.
في اليوم التالي مر الأصمعي من نفس الطريق ليرى رد فعل الشاب الحبيب وماذا كتب من الشعر وما رد الفتى على النصيحة التى قدمها له الأصمعى، فوجد أن الصبي قتل نفسه بجانب هذه الصخرة وكان قد كتب بيتان من الشعر قبل أنتحاره وهما :
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا .. سلامي إلى من كان للوصل يمنع.
هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم .. وللعاشق المسكين ما يتجرع.
وبعد هذه الحادثة التي وقعت مع الأصمعي، أطلق الأصمعى مقولته الشهير: "ومن الحب ما قتل".