الأدب فضلوه على العلم "
كثيرا ما استمعنا لتلك المقولة القليلة فى عدد كلماتها ، لكنها بليغة فى معناها . فإذا تأملناها سنجد أنها فى الأصل مثل مصرى شعبي تناقلته الأجيال ، فهى من زمن قدر فيه المصريون الأدب ، وهنا ننعنى بكلمة أدب : مكارم الأخلاق ، فمن شدة تقديرهم لمكارم الأخلاق رفعوا شأنها فوق العلم . العلم الذى تنهض به الأمم وتحيا به حضارات وتندثر أخرى ، لم يشغل المصريون بقدر أنشغالهم بأخلاق الفرد أكثر من علمه .
ولكن لنكون صادقين فالعلم مطلوب فهو سلاح الفرد السلمي لمواجهة ظلام الجهل والفقر والمرض ، ولكن وحده لا يكفى علم بدون مكارم أخلاق فهو بمثابة قنبلة موقوتة على وشك الأنفجار . وهذا ما قاله شاعر النيل حافظ إبراهيم :
الناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا.. عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِوهنا أصبحت مكارم الأخلاق علم يدرس للتلاميذ في المدارس ، لننشىء جيل يجمع بين العلم وبين مكارم الأخلاق
وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً.. بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ.. تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ.. ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
وفى الصورة كتاب الأخلاق المقرر على الصف الثانى الثانوى سنة 1934

«الغرض من هذا الكتاب أن يكون مرشدا للطلبة في حياتهم الأخلاقية، يلفتهم إلى نفوسهم، ويبين لهم أهم نظريات الأخلاق، ويوسع نظرهم فيما يُعرض عليهم من الأعمال اليومية، ويشحذ إرادتهم لتأدية الواجب واكتساب الفضيلة. لأنَّ الحياة الأخلاقية تعتمد على الروح الذي يبعث على العمل أكثر مما تعتمد على قواعد العلم».
مكارم الأخلاق والأسلام
ولهذا كان للأسلام السبق فى تعظيم مكارم الأخلاق حيث قال الله تعالى :
وقال سيد الخلق وأشرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :(وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) .
(إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا)
(تَقْوَى اللهِ وحُسْنُ الخُلُقِ)
ويعد أشهر أبيات شعرية قيلت عن مكارم الأخلاق أبيات أمير الشعراء أحمد شوقى حين قال :
والصدقُ أرفع ما اهتز الرجالُ لهُ
وخيرُ ما عوّدَ أبناً في الحياةِ أبُ
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ
فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
اللى اختشوا ماتوا
والشىء بالشىء
يذكر من الأمثال الشعبية التى قد تكون لها علاقة بموضوعنا ، فهو مثل يضرب أحيانا
إذا ذكرت الأخلاق وأحيانا إذا ذكرت الشجاعة وهو اللى اختشوا ماتوا .
فكثيرا ما نسمع حكايات عن أصل هذا المثل ولكن الأكثر واقعية من بين كافة الحكايات هو أن في مصر القديمة والشام كانت توجد حمامات عامة يذهب إليها الناس للاغتسال والاستحمام ، وكان الدخول لهذه الحمامات بمبلغ من المال وكان لديهم من يشرف عليها وينظم الدخول ويحتفظ بالملابس.
وفي أحد الأيام ، اندلع حريق في أحد هذه الحمامات التي كانت مليئة بالناس. وخرج بعض من كانوا داخل الحمامات مذعورين وهم عراة ولم يخجلوا. أما الذين خجلوا فلم يخرجوا وبقيوا في الحمامات وفضلوا الموت بدلا من رؤية عريهم وخاصة النساء فماتوا . وهذا ما قاله صاحب الحمام كلما سئل: هل مات أحد في هذه النار؟ فيجيب: نعم اللى اختشوا ماتوا! أصبح مثالا حتى يومنا هذا.