أخر الاخبار

الهجاء ... فن الرد الجارح

مع تعدد الثقافات واختلاطها في المجتمعات ، أصبح الكلام و المناقشات بين الأفراد بمثابة ساحة للصراع الفكري حيث يريد كل فرد أن يقنع الأخر بوجهة نظره ، ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الرد على الأخر ليس من أجل إثبات وجهة نظر ولكن من أجل " التريند ". لكن كيف كان الحال قديما فى ظل عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعى ؟ 

قديما كان هناك ما يسمى ب " الهجاء ... فن الرد "

حيث كان يحاول كل فرد التغلب على الآخرين وإثبات وجهة نظره ، وأفضل سلاح لتحقيق ذلك هو الردود السريعة والذكية التي تخرج الشخص من الحوار منتصرًا لوجهة نظره ، ففنون الرد والحوار أصيلة في التراث والثقافة العربية. 

أبيات شعرية

فالتاريخ العربي حافل بالأحداث التي استُخدم فيها الشعر للرد على الشعراء المنافسين ، ومنها المعركة الكلامية التي نشأت باستخدام القصائد بين جرير والفرازدق ، وامتدت لأربعين عامًا ، حيث استمر الشاعران العظيمان يتشاجران لغويا يتصارعا من أجل خطف لقب "ملك التريند" أو " ملك الهجاء " والشعراء المحيطين بهما كانا مجموعتين ، كل مجموعة متعصبة في دفاعها عن صاحبها وفي هجاء شاعر الفريق الآخر.سقطت في تلك المعركة العديد من الشعراء الذين كانوا ينحازو لشاعر عن الأخر، لم يصمد سوى الأخطل الذى كان يدعم الفرزدق ضد جرير . 




فيقول الفرزدق فى هجاء قبيلة جرير قصائد كثيرة منها قوله:

فيا عجبا حتى كليبٌ تسبني وكانت كليبٌ مدرجاً للشتائم


وجاء رد جرير فى هجاء الفرزدق أكثر من ذلك كقوله يتهمه بعفته:

لقد ولدتْ أمُّ الفرزدق فاجراً وجاءتْ بوزوازٍ قصيرِ القوائم
وما كان جارٌ للفرزدق مسلمٌ ليأمنَ قرداً ليلُه غيرُ نائــم


حاول الخليفة سليمان بن عبد الملك المصالحة ولكن دون جدوى. حيث سأل جرير: مالك والفرزدق، فأجاب: إنه يظلمنى، بينما قال الفرزدق: رأيت آبائى يظلمون آباءه، فسرت فيه بسيرتهم، هذا على الرغم من انتماء الشاعرين إلى قبيلة واحدة هى تميم، ولكن الفرزدق كان يتباهى بأهله المباشرين من بنى مجاشع ودارم فى حين كان جرير يهاجم الفرزدق فى عروبته ويعده هجينا.

كما تعددت مواقف " الهجاء أو فن الرد " في العصر الحديث ، منها ما ورد عن هجاء كوميدى بين أمير الشعراء أحمد شوفي والشاعر حافظ إبراهيم ، حيث ذكر كتاب "حدث بالفعل" للكاتب هشام سليمان. ان شاعرالنيل حافظ ابراهيم أراد أن يشاكس احمد شوقي امير الشعراء ببيت شعرى على سبيل الهزار . ولكن رد أحمد شوقي على الدعابة جاء بشكل غير متوقع .

ففى إحدى ليالى السهر بينهما انشد حافظ إبراهيم هذا البيت ليستحث شوقى على الخروج عن رزانته المعهودة:

يقولون إن الشوق نار ولوعـة *** فما بال أرى اليوم شوقى باردا

فرد عليه أحمد شوقى بأبيات قارصة قال فى نهايتها :

حملّت كلبا وإنسانا أمانةً *** فخانها الإنسان والكلب حافظا

وقد ارتبط شعر الهجاء بشكل عام بأشكال السب والافتراء والازدراء ، وكلها تنتج السخرية والضحك ، وهذا المجال قد يفسر لنا أسباب انتشار هذا النوع .

يستخلص أن فى تاريخ الأدب العربي كان الهجاء أو فن الرد سلاحًا وسيلة للدفاع عن الذات والهجوم على الأخر .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-