أخر الاخبار

ابن الرومي (1)

ابن الرومي 

شاعر أستثنائي من شعراء العصر العباسي لم ينل حقه من الإعجاب والتقدير حتى العصر الحديث، حين أوفاه عباس محمود العقاد حقه فكتب عنه كتابه المشهور "ابن الرومي حياته من شعره" متحدثا فيه عن أسرار حياته، مسلط الضوء على شعره، موضحا اسلوبه الفريد والمتمييز، لم يكن ابن الرومي وحده الذى أنصفه عباس العقاد فهناك الكثير غيره من الذين اعتقد عباس العقاد أنهم لم ينالو حقهم من التقدير والأعجاب فكل ما حصلوا عليه هو النكران.

من المتعارف عليه عن أبن الرومى أنه كان أنطوائى ذو نظرة تشاؤمية إلى حد ما، فكان يلازم  بيته أياما ، كما عرف عنه أنه عانى من إهمال نقاد الشعر له ونكرانهم لموهبته فقد آذته هذه المعاملة، حيث أنه كان موهوب بميزة يقدرها العرب فى ذاك الوقت وهي عبقرية البيان، فترتب على تلك المعاملة السيئة واحساسه بنكران وجحود النقاد لموهبته أنه أصبح سليط اللسان فى هجاء الخصوم وكأنه ينتقم منهم وينتقم من الزمن والمجتمع الذى بخسه حقه فكان يتهم خصومه  بالجهالة والبلادة وكأنه يصف مجتمعه، غير أن ابن الرومي كان شاعرا بكل ما فى الكلمه من معنى فلم يكن من النوع المنافق كى يقترب من الخلفاء والأمراء  فقد تنزه شعره عن أن يكون قصائد المديح التى ليس لها مضمون أو مصدقية، فكان لايبالغ فى وصفه ولا يكذب فى شعره.

السر وراء سخريته من الدنيا فى شعره

كان مبدع فى فن الهجاء الكاريكاتيرى،  فكان يستخدمه بطريقة ساخرة ليعبر عن معناته فى الدنيا ، لأن العالم الذى أنكر عبقريته  ولم يوفيه حقه في الفخر والتقدير مثل باقي الشعراء الذين كانوا أقل موهبة منه فهذه الدنيا لا تستحق غير السخرية منها .
فقال : 


نحن أحياء على الأرض وقد ** خـــسف بنـــا الدهر ثم خسف
أصبـــح السافل منا عاليا ** وهوى أهــل المعالي والشرف
يســفل النــاس ويعلو معشر ** قارفوا الإقراف من كل طرف
ولعمري لو تأملناهم مــاعلوا ** ولـكن طـفوا مـثل الجيف


فشعره كان يحتوى أيضا على لفتات إنسانية ، وروحاً حساسة ، وشعوراً بالتعاطف ورغبة فى مساعدة الناس والأهتمام بمشكلاتهم  .

من القصص المؤثره فى حياته 

مات له ابنه الأوسط وهو صغير ، فرثاه بقصيدة ملحمية بدفء مشاعرها وحزن شاعرها فتشعر فيها بأشتياق الروح لابنه وحرارة الدموع والعجز أمام استبداد الموت.

فقال :





بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي .. فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي 


بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى .. فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي 


ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها ... من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ 


تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي .. فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ

وهناك ظاهرة ملفتة للنظر في شعره بجانب عبقرية بيانه وهى  دقة التصوير ، فترا شعره يخرج لنا وقد استوفى كل شئ فلا نطلب مزيدا وكان يمتاز شعره أيضا بملكة الإيجاز بمعنى أنه بعدد محدود من الكلمات أو من الأبيات يقف على مضمون المعنى الذي يريد التعبير عنه ويترك الكلمات توحي،  دون أن يكلف نفسه عناء التطويل.

قال عنه طه حسين 


"نحن نعلم أنه كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن محبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسداً أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطربه، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف" 

وقال ابن خلكان في وصفه:


 "الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى أخره ولا يبقي فيه بقية".
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-